الفقه الإسلامي مصدر للقانون أم بديل له؟
DOI:
https://doi.org/10.64104/v6.Issue12.n1.2022الكلمات المفتاحية:
التقنين، الاجتهاد، الترجيح، تقييد المباح، الفتوىالملخص
هذا المقال يبحث في قضية مهمة للغاية وهي ما إذا كانت هناك حاجة للقانون في وجود الفقه في بلد إسلامي. وهل هناك حاجة لوضع الاجتهادات الفقهية في صورة قانون؟ وهل للقاضي الحرية في إصدار الحكم بناء على ما ورد في الفقه الإسلامي من غير أن يقنن الفقه؟
وفي هذا الصدد توصل البحث إلى نتيجة مفادها أن الفقه هو المصدر الأساسي للقانون، ولكنه لا يمكن أن يكون بديلاً عن القانون ، وذلك لأن القانون له خصائصه التي لا تتواجد في الفقه، و أهم تلك الخصائص إلزامية القانون، وعدم إلزامية الفقه والفتوى، و قد نبه فقهاؤنا السابقون على ذلك، فقالو: «لا فرق بين الإفتاء والقضاء إلا أن المفتي مخبر بالحكم والقاضي ملزم به».
ففي القضايا الاجتهادية التي تتعدد فيها آراء المذاهب الفقهية المعتبرة، أو توجد فيها أقوال متعددة في المذهب الحنفي، مثل هذه القضايا تحتاج أن يرجح من خلال عملية التقنين مذهب على المذاهب الأخرى أو يرجح قول في المذهب الحنفي على الأقوال الأخرى وفقًا لمتطلبات هذا العصر، ويلزم به القاضي، و أن لا يترك عملية الترجيح بين المذاهب أو عملية تصحيح قول في المذهب الحنفي على الأقوال الأخرى فيه لاجتهاد القاضي الفردي، فإن قضاة عصرنا غير مؤهلين لذلك في الغالب من الناحية العلمية والثقافية، و لو فرضنا الأهلية في بعضهم فإنهم لن يجدوا وقتا كافيا للاجتهاد والتدقيق في كل المسائل التي تعرض عليه لانشغاله في أمور القضاء. ومن هنا يجب أن يقوم على عملية الترجيح والتصحيح نخبة من العلماء الذين يتمتعون بأهلية الترجيح والتصحيح، ويرتبوا هذه الأقوال الراجحة والمصححة في صورة مواد قانونية، هذا ما نسميه تقنين الفقه الإسلام!
ومن الجدير بالذكر أن وجود الأقوال المصححة والأقوال المفتى بها لا ينفي الحاجة لتقنين الفقه الحنفي، لأن الأقوال المرجحة والمصححة في الفقه الحنفي ليست متعينة للفتوى في العصر الحديث، بل هي بحاجة لإعادة النظر؛ لأن كثيرا من تلك الأقوال صححت ورجحت بناء على وجوه تغيرت تلك الوجوه بعد ذلك لأسباب مختلفة، و من هنا نحن مطالبون أن نتعامل مع هذه الأقوال بالمنهجية التي تعامل بها علماؤنا السابقون معها، و أن نعيد النظر في ترجيحها كما فعل فقهاؤنا الأفاضل في سالف الأزمان.
إلى جانب ذلك هناك أمور تجددت في عصرنا كما كانت تتجدد في كل عصر ومصر، هذه المسائل تسمى في تراثنا الفقهي ب"النوازل" و "الواقعات" وكذلك تسمى ب"الفتاوى". هذه المسائل المستجدة كثرت في عصرنا مقارنا بما كان في العصور السالفة؛ لأن الحياة تطورت بصورة غير مسبوقة، وهذه المسائل لم يبحث عنها في الفقه، ولا يمكن البحث عنها لأنها لم تكن موجودة في زمن أئمة المذاهب ولا في زمن العلماء بعدهم، هذه المسائل كذلك بحاجة أن يبحث عن أحكامها ويعين القول الراجح من بين الأقوال الواردة عن العلماء فيها من خلال تقنين الشريعة الإسلامية.
وهناك نوع آخر من القانون الذي يؤكد على ضرورة تقنين الفقه الإسلامي وأن الفقه لا يغني عنه ألا وهو التقنين لتقييد المباح، وذلك لأن هذا النوع من المسائل لم يبحث عنها في الفقه الإسلامي، ولا يمكن البحث عنها في كتب الفقه التراثية، لأن هذا النوع من القضايا تابعة للسياسة الشرعية (المصالح والمفاسد) و هذا المبنى يتغير بتغير الزمان والمكان، فمثل هذه القضايا يحتم علينا أن نصيغ الفقه الإسلامي في شكل مواد قانونية.
خلاصة الكلام أن الفقه الإسلامي هو مصدر القانون في البلاد الإسلامية وليس بديلا عن القانون، ومن هنا يجب أن نصيغ الفقه الإسلامي في صورة القانون.